في بوتان، يتم تعريف السعي وراء السعادة الوطنية الإجمالية على أنه هدف الحكومة في دستور عام 2008. إنه أساس محوري لجميع المساعي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية – بما في ذلك الطفولة المبكرة. بدأت الحكومة مؤخرًا تنفيذ برنامج الرعاية الوالدية بهدف الوصول إلى جميع الاهالي بحلول عام 2030. وبدافع من السعادة الوطنية الإجمالية، يشجع هذا البرنامج الوالدين على النظر إلى ما بعد إدارة السلوك والتحفيز المعرفي والصحة والتغذية. وله تركيز قوي على التعلم الاجتماعي – العاطفي والثقافة والتربية البيئية والتنمية الروحية والأخلاقية، ويشجع الوالدين على تعليم المهارات والقيم للأطفال مثل الأخلاقيات البيئية والوعي والتعاطف والمسؤولية. تماشيا مع تركيز نموذج السعادة الوطنية الاجمالية على النتائج، فإنه يحفز الوالدين برؤية طويلة المدى لما يرغبون أن يكون عليه أطفالهم

في السعادة الوطنية الاجمالية، يتم تعريف السعادة بأنها ليست مجرد إشباع فردي ولكنها تشمل الوئام والسلام المشترك (ثينلي، 2015) ينظر إلى السعادة الفردية والجماعية على أنها قادمة من مجتمع عادل ومنصف، حيث يقوم على العناية بالبيئة مصدر كل ثرواتنا ومواردنا؛ التمسك بالقيم التي بنيت عليها عائلاتنا ومجتمعنا، مع احترام الآخرين الذين يختلفون عن قيمنا؛ وتقاسم منافع التنمية الاقتصادية والازدهار بين الجميع؛ والعمل بأمانة وشفافية ومساءلة وكفاءة. الصفات الإنسانية كالانضباط الذاتي والتعاطف منشودة.

ونظراً لأن هذه الصفات الإنسانية تتشكل إلى حد كبير في مرحلة مبكرة من الحياة، فإن الحاجة إلى رعاية الأطفال الصغار وتحفيزهم على نحو سليم تعتبر أمراً أساسياً. للوالدين دور كبير في إرساء أسس سلوك الأطفال ومواقفهم وقدراتهم (الماتالكا، 2014). ويمكنهم القيام بذلك بطرق عديدة، بما في ذلك الاستجابة لاحتياجات الاطفال، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة، والتحفيز النفسي، والتصرف كنماذج جيدة للقيم الاجتماعية والعاطفية االإيجابية (ديسفورغز وابوشار، 2003) من المهم أن يفهم الوالدين كيفية تطور الأطفال وأفضل طريقة لدعم هذه العملية.

ليس جميع الأهالي مجهزين بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها. ينمو الكثير من الأطفال اليوم في شقق شاهقة ذات تعرض قليل للعالمين الطبيعي والثقافي، و تكاد فرص اللعب في الهواء الطلق والتنشئة الاجتماعية تكون معدومة، والتعرض المفرط غير الموجه لوسائل الإعلام الرقمية، وتغذية قليلة للجسم أو العقل؛ بعضهم لم يروا كتابًا أو لعبة إلى أن ذهبوا للمدرسة (جايليغ، 2018) . في حين أن الفقر والعوامل الاجتماعية والاقتصادية هي الأسباب الرئيسية لهذه القضايا، و يمكن أن يعزى ذلك إلى انخفاض الفرص المتاحة للوالدين بقضاء وقت مع أطفالهم، وعدم فهم كيفية دعم ورعاية أطفالهم حتى يكبروا أصحاء وسعداء وعطوفين.

نهج موضوعي

بمساعدة اليونيسف، قامت حكومة بوتان بتطوير نموذج الوالدين في مرحلة الطفولة المبكرة مع نهج موضوعي يطمح إلى تلبية احتياجات الصحة والتعلم والحماية للأطفال الصغار، التي يتم تغطيتها في إطار رفاه الطفل. ويسعى المنهاج إلى تزويد الوالدين بالمهارات اللازمة لدعم نمو الأطفال بفعالية، ومزج أفضل الممارسات الحديثة والممارسات الثقافية التي تدعم تنمية الطفل. وتعترف بدور الوالدين في تحسين رفاه الأطفال ونتائجهم التنموية ودورهم في تحسين المجتمعات وأماكن العمل أثناء نموهم.

2.2 ECM18-Scaling6Gayleg-HO

الصورة: كارما جايليغ

يدمج برنامج الرعاية الوالدية بين نتائج تنمية الطفل ومبادئ السعادة الوطنية الاجمالية في ثلاثة محاور – تسعى إلى ضمان أن يكون جميع الأطفال أقوياء وصحيين؛ أذكياء وسعيدين، وآمنين ومحميين. أكثر من 16 جلسة مجمّعة في أربع مراحل، يشارك الوالدين في الحوار الذي يمكّنهم من تبادل خبراتهم ودعم بعضهم البعض، وتحديد أولويات العدالة الاجتماعية والتعليمية، والمشاركة الفعالة للآباء في تربية الأطفال، والادماج.

  • تتيح المرحلة الأولى للوالدين الفرصة لمناقشة وجهات نظرهم حول ما يحتاجه الأطفال ليكونوا أصحاء وأذكياء وآمنين، وتحديد التحديات العملية للرفاه ومناقشة كيفية التغلب على هذه التحديات.
  • ﺗﻤﻜّﻦ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ الوالدين ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ أهمية ﺗﺪرﻳﺲ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻟﻸﻃﻔﺎل اﻟﺼﻐﺎر وربط هذه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت ﺑﻤﻤﺎرﺳﺎﺗﻬﻢ الوالدية اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ، وﺗﺸﺠﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎركة ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮﻧﻪ وﻟﻤﺎذا. وتساعد العملية الوالدين على فهم ممارسات الآخرين داخل المجتمع ومشاركة هذه الممارسات مع أفراد عائلتهم وتجربتها في المنزل.
  • ﺗﻤﻜّﻦ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ الوالدين ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻢ كيفية تقييم ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻄﻔﻞ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام أدوات ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﻤﺼﻮرة ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ وﻣﺮاﻗﺒﺔ وتقييم ودﻋﻢ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ. يتم تشجيع الوالدين على تطوير ألعاب منزلية منخفضة التكلفة لتحفيز أطفالهم في مختلف الأعمار والمراحل، ومراقبة تطورهم التنموي وتتبعه باستخدام البطاقات. في هذه العملية، يتعلمون أيضًا كيفية تحديد ودعم الأطفال الذين يعانون من حالات تأخر النمو والإعاقات، والتواصل مع بعضهم البعض، وبناء شبكات دعم لمقاربة جماعية للرعاية الوالدية.
  • ﺗﺴﺎﻋﺪ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ الوالدين ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺧﺒﺮﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﻌﻠﻴﻢ الرعاية الوالدية ورؤﻳﺔ كيفية تحسن ﻓﻬﻤﻬﻢ ﻹﻃﺎر رﻓﺎﻩ اﻟﻄﻔﻞ وﻣﻤﺎرﺳﺎﺗﻬﻢ الخاصة كوالدين ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل. والفكرة هي أيضا مساعدتهم على التعاون ومساعدة بعضهم البعض في تربية الأطفال الصغار، وبالتالي إنشاء شبكة للدعم المتبادل والحفاظ على الجهد لتثقيف الجميع ليكونوا والدين صالحين وسعداء.

يدرك النموذج أنه في حين أن زيادة وعي ومهارات الوالدين يمكن أن يعالج العديد من القضايا، إلا أن الوالدين غير قادرين على حل جميع المشاكل بأنفسهم. لم يكن القول الإفريقي “يتطلب الامر قرية كاملة لتربية طفل” ليكون أكثر واقعيةض: فالمجتمعات وصانعي السياسات والمجتمع المدني بحاجة إلى العمل معاً من أجل تنمية الأطفال.

الطريق إلى التوسع

يتم تقديم برنامج الرعاية الوالدية من خلال رياض الأطفال المدعومة من الحكومة في القرى. يستغرق الأمر حوالي سنة لإكماله. يتم تقديم البرنامج من قبل منظمين يتم تعيينهم ودفع رواتبهم وتدريبهم من قبل الحكومة، بدعم من اليونيسف، لإدارة برنامج التعليم قبل المدرسي وبرنامج الرعاية الوالدية. ويساعد عمال الصحة والزراعة ومدير المدرسة في القرية المنظمين في هذا البرنامج. في المتوسط، تشارك مجموعات من حوالي 15 والداً في كل مرة في الجلسات، وغالبا مع مزيج من الأطفال من سن الولادة إلى سن 8 سنوات: يمكن لأهالي الأطفال الأكبر سنا تبادل تجاربهم مع أهالي الأطفال الصغار، ومناقشة قضايا الرعاية الوالدية وكيف من الممكن التغلب عليها.

البرنامج إلزامي لجميع الأهالي الذين لديهم أطفال في الروضة التي تدعمها الحكومة – ولأن رياض الأطفال المدعومة من الحكومة تحظى بشعبية، فإن العديد من أهالي الأطفال دون سن الثالثة متحفزين لحضور البرنامج لأجل تمكين أطفالهم من الحضور إلى الروضة. في البداية يحضر عضو واحد من كل عائلة، وفي نهاية المطاف يحصل كل عضو على هذه الفرصة. يمكن لأي أم أو أب أن يختار التسجيل، ويتم تشجيع الجميع على القيام بذلك – على الرغم من عدم وجود حافز مثل وجود مكان لطفلهم في رياض الاطفال، من الصعب إقناع الوالدين بالحضور، حيث يعمل الكثير منهم بدوام كامل ويكونون متعبين في المساء.

تغطي مراكز الطفولة المبكرة المجتمعية التي تضمها رياض الاطفال حالياً 21.8٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 5 سنوات، ويتمثل الطموح في زيادة تغطيتهم إلى جانب برنامج الرعاية الوالدية. ويتمثل الهدف في تحقيق تغطية بنسبة 50٪ بحلول عام 2024، والوصول الشامل بحلول عام 2030. وفي المستقبل، مع توسع برنامج الرعاية الوالدية، يمكن أيضًا تقديمه من خلال منصات أخرى مثل الخدمات الصحية والمدارس الابتدائية وبرامج التعليم غير الرسمي. وبينما يستهدف البرنامج الأهالي في المناطق الريفية والمناطق الحضرية الفقيرة، بما أنهم أكثر الفئات ضعفاً، فإن برنامج الرعاية الوالدية مفيد لجميع الأهالي بما في ذلك الأهالي العاملين والأميين، والذين يأتون من خلفيات اجتماعية واقتصادية ضعيفة.

مع بدء البرنامج للتو، لم يتم إجراء أي تقييم حتى الآن. وستقاس فعاليته في نهاية المطاف حسب تحسن رفاه الطفل من خلال تحسين الممارسات الوالدية المرتبطة بالنتائج الإنمائية الإيجابية وزيادة الإجراءات في المجتمع لتحسين التعليم المبكر، وتربية الأطفال وخدمات الأطفال. في الوقت الحالي، يُعتقد أن نموذج التعليم الوالدي هذا سيسهم ليس فقط في تحسين الممارسات الوالدية من خلال مزج مبادئ تنمية الطفل ومبادئ السعادة الوطنية الشاملة، ولكن أيضًا بناء مجتمعات متناغمة تدعم بعضها البعض في تربية أطفال يتمتعون بالقوة والصحة والسعادة والعطف.

يمكن العثور على المراجع في نسخة الPDF من المقالة.

Chapters
Chapters
بلدان